غدا ماتَ عليّ

المقاله تحت باب  نصوص شعرية
في 
10/09/2007 06:00 AM
GMT



مثلَ عجوزٍ لا ذنبَ لها بوقاحةِ التجاعيدِ

 

انتظرتُ الأطفالَ وهم يحملونَ أشرعة ً ورقيةً

 

انتظرتُ النهرَ لعلّه يدقّ نواقيسَ مائهِ لهمْ

 

انتظرتُ المساء َ

 

قالوا .. سيأتي مع المساءِ البـَرَد ُ

 

قلت : آهٍ ..

 

في المساءِ يفتح ُ الوطن ُ فمَه ُ ليأكلَـنا

 

ومنه تتطايرُ روائح ُ فمِهِ المرعبِ

 

روائح الخوفِ والموتِ

 

كم تمنّى عليٌّ أنْ يزرعَ حقلَ نعناع ٍ في لهاةِ الوطن

 

قبلَ أنْ يمتصَّ من خاصرتهِ دمَه ُ

 

قالوا .. سيأتي المساءُ رغما عنك

 

وعن أبيكَ

 

وعن السماءِ

 

وستلوّح ُ من على ظهر الزوارقِ الورقيةِ

 

يدا عليّ المبتورتانِ

 

أنْ افتحوا معاطفـَكم

 

أنا خائفٌ من الموتِ

 

فزمّـلوني ...

 

أنا قادم ٌ

 

أحملُ معي جثثَ شبابٍ لم يتعرفْ عليها المسعفونَ

 

وتصاويرَ وجوهٍ لا شكلَ لها

 

يدعونها مجهولة َ الهويةِ !!!!!

 

اشرعوا نوافذَكم أيها الطيبون

 

فلقد متّ غدا خارج دائرة الزمن

 

قبلَ أنْ ينقضي النهارُ

 

ويمرَ الأطفالُ

 

وتـُقطعَ ألسنةُ نواقيسِ النهر

 

وتغتالَ موجاته ُالمصبوغةُ بالدم

 

ويجيءَ المساء ُ

 

ويموتَ علي ٌ

 

تاركا خلفه ُ طفلة ً ما رآها

 

وأُمـّا حسدتها النسوة ُ

 

قـُلنَ :

 

ها قد انقضتِ الحربُ ولم يمتْ لنجيةَ * أحد ٌ

 

فسمعتِ الصواريخُدسائِسَهنّ

 

فَـقَد َّتْ صدرَ أمّي من قِبَـلٍ

 

ولم ينقضِ يوم ٌ

 

إلا وعليٌ مخضبٌ بالشظايا

 

فاتحا خاصِرتَه للهِ

 

هي موضع ُ موتِ العدالة

 

غدا مات علي ٌ

 

شيّعتهَ ُ الشمسُ

 

ونهرُ الغرافِ

 

وشوارع ُ جلعة سكر* المتربة ُ

 

وأغاني عبد الحليم حافظ

 

وقطراتُ من الدم على رؤوسِ المشيعين

 

ورغما عني

 

كانَ البـَـرَد ُ

 

مُكفنا بترابِ البصرةِ

 

وحولَ جثمانهِ تولولُ الحدائقُ

 

وفي قاعدة بصطاله التصق الوطنُ

 

وكتب التاريخ

 

والأمم المتحدة

 

ومؤتمر عدم الانزياح

 

والجامعة.. أعني الكلبجة .. العربية

 

ومنظمات حقوق الانسان

 

والمؤتمر الاسلامي المنعقد في ماليزيا

 

........

 

كان البَرد ُ ميتا

 

الأطفالُ توقفوا مثلَ مساميرَ معقوفةٍ بتابوتٍ عتيق

 

ونزيفَ أشرعتهم الورقيةِ يرسمُ بركا تحتَ أقدامِهم

 

كان النهرُ جثة ً

 

تخثّـر عليها الكافورُ

 

فيما انشغلَ المساءُ بتنظيفِ نجومهِ من روائحنا النتنة

 

........

 

العبوا بالترابِ

 

ودعوا أمي تعيد ُ على أذنيّ سيرة َ الحربِ

 

الحربِ التي اختطفت عليا

 

غدا ماتَ عليٌ

 

فلا تذكّروني بقامتهِ الجنوبية

 

أنا أحملها معي

 

غدا 8 ـ 8 ـ 1988

 

ماتَ عليٌ

 

ومتّ أنا

 

غدا ..

 

أحفرُ قبرا في هاغن*

 

وأنحر عمريَ السمينَ

 

وأرشّ الماءَ على الآجرّ الأحمر ِ

 

مستنشقا ما أظنّه غبارا

 

ألثم أحذيتي التي جئتُ بها إلى هنا

 

منْ يُخبر كنائس هاغن

 

أنّ عليا ماتَ غدا

 

ومن يقولُ لأمي

 

أنّ غدا لنْ يَجيءَ

 

وستظلّ الشمسُ

 

إلى الأبد

 

لا أحدَ يرضى أنْ يموتَ عليّ

 

فلماذا أخذه اللهُ غدا ؟

 

............................

 

علي .. أخي الذي قتل غدا 8 ـ 8 ـ 1988 .. في اليوم الذي وقفت فيه مناجل الصواريخ بعد أن أخذت عليا ..

 

* نجية .. أم علي

 

* جلعة سكر أو قلعة سكر .. مدينة علي

 

* هاغن .. غدا مات فيها عليّ .. قرية شمال غرب ألمانيا